عالم التصوير والمعرفة
- يقول ذلك المصور في مذكراته: بدأت قصتي مع التصوير في حدائق الهواية الخلاّبة، كنتُ أقضي الكثير من الوقت الممتع في التقاط الصور وتعلّم خفايا وأسرار التصوير والفروق بين الكاميرات والعدسات وأساليب التصوير وأقرأ في هذا المجال لأدخل في عقول الخبراء وأفهم تجاربهم مع التصوير والأسس التي بنوا عليها أسلوبهم الخاص والخدع السحرية التي ابتكروها لخطف أنظار الناس ووضعهم داخل دوائر الدهشة والإبهار. لكن الأمر الذي كان يستهويني أكثر ويلغي إحساسي بالوقت وبالمحيطين، هو فن توزيع الإضاءة وتأثيره العجيب على النتائج النهائية.
كانت مرحلة محبّبة في حياتي ومريحة إذ كنتُ متفرّغاً تماماً لهذه الهواية ولم يكن على كاهلي ضغوطاً تُذكر. في المرحلة التالية تزايدت المسؤوليات وتكاثفت الضغوط فاخترتُ العمل في الإطار الأقرب لقلبي والذي أعتقد أني سأنجح وأبدع فيه أكثر من غيره، شَقَقَتُ طريقي في العمل كمصورٍ لإحدى الوكالات وكان التحدي أمامي هو التقاط صور المناسبات بأسلوبٍ ومنهجٍ مختلفين عن السائد كي أبرز موهبتي وأرضي نفسي من ناحية، ولكي أحسّن وضعي المهني وأعتاد على عجلة التطوّر الدائرة دون توقّف.
بعد أسبوعٍ من بداية عملي كنتُ أقوم بتغطية مناسبةٍ يحضرها نخبةٌ من مشاهير العالم، وخلال انشغالي بالتقاط الصور بطريقتي الخاصة، لَفَتَت نظري تلك الفتاة التي لا يتجاوز عمرها 19 ربيعاً بنظراتها الخائفة الواجفة الخجولة المركّزة باتجاه أحد الشخصيات الأدبية الشهيرة، من خبرتي في هذا المجال التقطتُ رغبتها الكبيرة في لقاء هذه الشخصية وربما التقاط صورة ! أخبرتها أن باستطاعتي مساعدتها .. فلَمَعَت عيناها من السعادة .. مشينا سوياً باتجاه طاولته، تحدّثتُ معه بتهذيب فوافق فوراً ودعاها للجلوس على كرسيّ خالٍ بجانبه، وخلال حديثها معه التقطتُ لها مجموعة رائعة من الصورتكشف هالات السعادة الممزوجة بالدهشة المحيطة بها، ثم دعاني وشكرني والتقطتُ معه "سيلفي" ثم همستُ له باقتراحٍ صغير فأجابني بإيماءةٍ خفيّة، ثم استأذنها بالتقاط "سيلفي" معها بجهازه الخاص .. هنا رأيتُ شلالات فرحٍ ملوّنة في وجهها وكانت الصورة المُقترحة رائعة.
بعد هذا الموقف أخبرتني الفتاة أن هذه الصورة غيّرت حياتها وثقتها بنفسها تماماً وأنها بدأت طريقها بكل حماس لتصبح كاتبة عالمية.
هنا أيقنتُ أن توزيع أضواء السعادة والفرح والانطلاق، أهم من توزيع الضوء اللازم للتصوير الفوتوغرافي، وأن الصورة يُمكن لها أن تُخلَّد لا بجمالها، بل بارتباط صاحبها الأسطوريّ بها، والذي يجعله يضعها في أغلى إطارٍ لديه، متجاهلاً مئات الصور التي أتت بعدها.
إرسال تعليق
التعليق الذي يحتوي على تجريح أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف