عالم التصوير والمعرفة - محمد عثمان - المونيتور - مدينة غزّة، قطاع غزّة - انطلق المصوّر الصحافيّ محمّد البابا من ساحة العمل المحلّيّة إلى العالميّة، ومن القلم إلى الكاميرا، ليصبح من أهم مصوّري العالم، ويتقلّد أربع عشرة جائزة دوليّة خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة. ورشّح في الثامن من شهر ديسمبر الجاري ضمن قائمة أفضل عشرة مصوّرين خلال عام 2015 التي أعدّتها صحيفة الجارديان.

وقال البابا (45 عاماً)، ويعمل مصوّراً في وكالة الأنباء الفرنسيّة، : "من الأمور المهمّة أن تلتقط عدسة المصوّر الجوانب الإنسانيّة. فبعدما تلتقط الصور الإخباريّة، لا بدّ أن يعرف المصوّر ما بعد الحدث، فكانت الرسالة الإنسانيّة التي قمنا بتوضيحها من خلالالصور عن كيفيّة استمرار المواطنين في حياتهم اليوميّة، وتمكّنهم من المزج بين الحياة والموت على الرغم من دمار البيوت في قطاع غزة. فمثلاً، ممارسة الرياضة عند الدمار وأطفال يبتسمون في مخيّم لجوء بغزة وصيّاد يقوم بالصيد على الرغم من المشاكل، كل هذه صور للحياة".

وتابع: "مثلاً، الصور التي تمّ اختياري على أساسها للوصول إلى قائمة أفضل عشرة مصوّرين في تقييم الجارديان، كانت عن الحياة اليوميّة للمواطنين بعد حرب عام 2014 التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة، من بينها صور للاعبيين الفلسطينيين للرياضات المختلفة كرياضات الشوارع في غزة وصور لأحد رسوم الفنّان البريطانيّ الشهير بانكسي".

ويرى البابا أنّ مصوّري غزّة يمتلكون عيناً ناقدة وإمكانات تؤهّلهم لكي يحصدوا الجوائز الدوليّة، ناهيك عن طبيعة الأحداث كالحروب المتكرّرة التي تحصل في قطاع غزّة، مضيفاً: "وتعلّم المصوّرين الفلسطينيون التلقائيّ والمباشر للفنون البصريّة كافّة أهّلهم ليكونوا فنّانين ومبدعين في الفنون البصريّة، إضافة إلى الدورات التي تلقّوها خارج فلسطين وعملهم في المناطق الملتهبة في مصر وسوريا واليمن والعراق. كلّ ذلك أعطاهم خبرة إضافيّة لخبراتهم في تغطية الحروب والصراع في غزّة".

إبراهيم فرج، واحد من مصوّري غزّة الذين بدأوا مشوارهم في التصوير بعيداً عن الحروب، فرصد بعدسته جوانب أخرى لطالما بقيت مخبّأة، كالحياة الطبيعيّة في القطاع والفقر وغيرها.

وبيّن فرج (26 عاماً)، ويعمل في وكالة الرأي الحكوميّة في قطاع غزّة " أنّه بدأ برصد صور الطبيعيّة كالبحر والمناطق الخضراء والأماكن الجميلة في قطاع غزّة منذ بداياتها، فالقطاع فيه نمطان للحياة، أحدهما مأساويّ يضمّ الدمار والفقر، وآخر رائع يجمع بين الأمل والتفاؤل والسعادة والأماكن الجميلة، وفق قوله.

وأضاف فرج: "وأكملت مشواري الذي بدأته منذ عام 2008 بإظهار جانب الحياة الجميلة والبسيطة في غزّة. وجمهوري انقسم بين مؤيّد لطبيعة صوري ومعارض لها، فكانت تصلني تعليقات إيجابيّة على الصور وتحثّني على الاستمرار والمواصلة وإبداء الإعجاب، أمّا التعليقات السلبيّة فكانت معظمها تهمّش الفكرة وتترك المضمون".

وعلى الرغم من سنوات الحصار الإسرائيليّ التسع لقطاع غزّة، والحروب المتكرّرة، إلّا أنّ فرج استطاع التقاط العديد من الصور التي تزيد غزّة بهاء، وإثبات أنّ غزّة ما زالت تنبض بالحبّ والجمال والحياة الذي يصنعها أهلها.

وبيّن أستاذ الصورة الصحافيّة في الكليّة الجامعيّة للعلوم التطبيقيّة في قطاع غزّة نعمان إشتيوي " أنّ الزيادة الواضحة في عدد المصوّرين في فلسطين وضيق الموقع الجغرافيّ وتكرار الصور، دفعت عدداً منهم إلى محاولة التغيير والبحث عمّا هو جديد، بعيداً عن مزاحمة المصوّرين الآخرين في تغطية النشاط والحدث نفسهما.

وأوضح: "لذلك، وعند هدوء الأوضاع الميدانيّة أو الركود السياسيّ، فإنّ بعض المصوّرين يبدأون بالبحث عن القصص الإنسانيّة أو حتّى الصور الجماليّة، لا سيّما تلك المتعلّقة بحياة الناس من جوانبها المختلفة، كجمال البحر أو استجمام المواطنين خلال الصيف، أو قصص عن ركوب الخيل أو زراعة الورد، كلّها قصص صحافيّة بدأ بعض المصوّرين يبحثون عنها، وهذا ما تبحث عنه أيضاً وسائل الإعلام العربيّة والدوليّة".

وأشار إشتيوي إلى أنّ المصوّرين المحترفين في قطاع غزّة استطاعوا خلال الأعوام الماضية تقديم إنتاج وفير من الصور الاحترافيّة التي توثّق جوانب الحياة الفلسطينيّة كافّة بمختلف مراحلها وتغيّراتها السياسيّة والاجتماعيّة، ولا يكاد يمرّ أسبوع من دون وجود إحدى صورهم على صدر صفحات الصحف العالميّة أو حتّى المواقع الإلكترونيّة.

وتابع: "ولتميّزهم، حصلوا على العديد من الجوائز العالميّة التي يتنافس فيها المصوّرون من أنحاء العالم كافّة مثل المصوّرين وسام نصّارواشرف أبو عَمرة. لذا، أعتقد أنّ العدد الكبير من الجوائز العالميّة التي حصل عليها مصوّرو غزّة هو مؤشّر على قوّة الصور التي يتمّ التقاطها وجودتها وحرفيّتها، من حيث توافر العناصر المطلوبة كافّة للحصول على الصورة المميّزة، سواء من جانب التكوين أم الإضاءة أم الموضوعيّة، إضافة إلى أهميّة الموقع والحدث اللذين يقومون بتغطيتهما".

ومع كل تلك الجوائز والانجازات أثبت مصوّرو غزة المحترفين أن بإمكانهم الوصول إلى منصّات عالمية، خاصة مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي سهّلت إيصال صورهم. الأمر الذي شجّع على زيادة عدد المصوّرين الشباب الذي تمكّن بعضهم من انتزاع إعجاب الجمهور الفلسطيني بصوره.


أحدث أقدم