عالم التصوير والمعرفة - المصور المحترف وحتى الهاوي هو عبارة عن شخص ثاقب الرؤية لديه مخيّلة واسعة، كما أن لديه حس بالمسؤولية تجاه مجتمعه من خلال قضايا معينة، المصور يهتم دوماً بتطوير وتحديث طريقة نظرته للحياة ولفت نظر البشر إلى مايريده من خلال عبقرية عدسته ونتائج مجهوده.

لم نسمع يوماً عن معيار يصنّف المصورين وفق عدد الصور الملتقطة من قبلهم، نوعية الصور وتأثيرها وما يمكنها تغييره من أهم المعايير التي أؤمن بها والتي تجعلني أفرّق بين هذا المصور وذاك. ولكل عصرٍ هيمنته وقوالبه الجديدة التي تفرض نفسها على مجريات الأمور، لقد أصبح التقاط الصورة في عصرنا هذا أسهل وأسرع من أي وقتٍ مضى.

لكن رغم كل الهالات المشعة المرتبطة بالصورة يبقى هناك ضرورة للتوازن، فما زاد عن حده انقلب ضده، يبقى خير الأمور الوسط بين الإفراط والتفريط، فهناك من يقضي يومه من الصباح للمساء يلتقط الصور لكل شخص وكل شئ يراه أمامه ! من غير المقبول أن يكون إرهاق العدسة بآلاف الصور هو الهدف الرئيسي لأي مصورٍ لديه أهداف واضحة.

من الأمور التي يشتكي منها الكثيرين هي انتشار الهوس بالتصوير في مجتمعاتنا بين المراهقين وحتى بعض الناضجين ممن يعتبرون أنفسهم مصورين منغمسين حتى النخاع في عالم التصوير، يلعبون دور القدوة للمنضمين حديثاً لركب الافتتان بالتصوير الضوئي. من واجبنا هنا أن نحذّر الجميع من مغبة الإفراط في التعامل مع الكاميرا على حساب المساحات الأخرى في الحياة اليومية. هناك العديد من الأضرار العائلية والاجتماعية للهوس بالتصوير ومنح الصورة قيمة أكبر من التعايش مع اللحظة والتعامل مع الموجودين في مختلف المناسبات.

قد يكون التقاط اللحظة هاماً وبعض المشاهد لا تمنحك الفرصة للتفكير، كما أن الزمن لا يعيد تكرار نفسه، نتفهّم كل ذلك لكنه من جهة أخرى هناك بعض المواقف الثمينة في حياتنا يفسدها وجود الكاميرا ! هناك بعض الأوقات التي يعتبر إقحام التصوير فيها ليس من الذوق في شئ ! بل هو منافٍ للتقدير والاحترام الواجبين للحدث أو للموجودين فيه.

من ناحية أخرى أعتبر أن التقاط صورة كل 10 دقائق في كل وقتٍ وكل مكان هو استهتار بالتصوير كفن عريق له أصوله وطقوسه وآدابه وله أيضاً أوقاته المناسبة. من ينتهج هذا السلوك في التقاط الصور هل نعتقد منه أن يأتي لنا بصورٍ تدخل التاريخ أو تمتع الأنظار ؟ أعتقد أن الإزعاج الذي يسببه أكبر بكثير من القيمة الفنية التي ينتجها.



سحر الزارعي - الأمين العام المساعد للجائزة
أحدث أقدم