الصور الفوتوغرافية التقليدية ستصبح "عملة نادرة" 
بقلم : إيزابيل أيشنبرغر- swissinfo.ch
بعد كل من شركة كانون ونيكون وكوداك وبولارويد وأغفا، جاء الدور هذه المرة على إلفورد - سويسرا الرائدة في مجال التصوير الفوتوغرافي، لتتخلى مُجبرة عن تقنية التصوير الفوتوغرافي التناظري. وبعد 125 عاما منذ تأسيسها، تخلت الشركة على نصف موظفيها لتنجو من الإفلاس مرة أخرى. لقد وضعت الثورة الرقمية نهاية لعالم باكمله.

في معرض تعليقه على ما حدث، يقول رولاند فيرتز، وهو مصوّر من برلين يعمل مع "إلفورد - سويسرا" منذ عام 2004 "إنها مأساة. كأنك بصدد إعلام نجار بأنه لم يعد هناك خشب وأنه عندما يستنفذ كل ما لديه من الإحتياطي من هذه المادة في صناعة رفوف، عليه أن يبحث لصناعة آلات الكمان عن مادة تشبه الذهب في ندرة وجودها". وبالمناسبة، لا يقوم فيرتز بإنتاج صور عملاقة مطبوعة على الورق المعالج كيميائيا، بل يعتمد كذلك، وإلى حد بعيد، على آلة طوّرتها الشركة لهذا الغرض. كل شيء بدأ في أوائل فصل الصيف مع إعلان شركة إلفورد - سويسرا، المتخصصة في التصوير الفوتوغرافي منذ خمسين عاما، والتي يوجد مقرها في بلدة مارلي بضواحي فريبورغ، أن المؤسسة البريطانية المالكة لها Paradigm Global Partners، قررت التوقّف عن تمويلها، مما جعلها عاجزة عن دفع رواتب موظفيها البالغ عددهم 230 شخصا.

دعامة شديدة الصرامة
إثر ذلك، تسارعت الأحداث: شراء الشركة من طرف الإدارة المشرفة عليها، في غياب أي بديل، وإلغاء قرابة مائة وظيفة وتسريح 66 عاملا وبيع جزء كبير من أراضي المؤسسة الصالحة للبناء، لتمويل عملية التعويض للمطرودين من العمل، ثم ظهور شريك ياباني... واستمر ذلك حتى 11 سبتمبر 2013 حين قررت الجهات القضائية إيقاف إجراءات الإعسار ضد هذه الشركة. مرة أخرى، تنجح شركة إلفورد للتصوير، وبعد أن شهدت تغييرا متكررا على مستوى المالكين وإعادة الهيكلة بمعدّل مرة كل سنة تقريبا خلال السنوات العشر الأخيرة، في تجنّب الإفلاس، ولكن على حساب التنويع الذي ميّز انتاجها في الماضي، عبر التخلّي عن أنشطتها في مجال التصوير الفوتوغرافي الصّناعي. وبالإمكان تطبيق التكنولوجيا التي تعتمدها والمتمثلة في "سكب طبقات من الألوان على دعائم مرنه" في المستقبل في مجالات أخرى، غير التصوير الفوتوغرافي والطباعة.، كأن يكون ذلك في مجال الأفلام الضوئية للعرض على الشاشات التلفزيونية أو العدسات المضيئة أو أجهزة استشعار الغاز بالنسبة للأجهزة الطبية. وفقا لجون – نويل جيكس، المسؤول عن الدعم الفنّي، تدفع هذه الشركة - على غرار جميع المنافسين لها - ثمن النجاح الذي حققته الصور الرقمية او تقنية الحبر النفات، ويقول: "التقنيات التناظرية صارمة، وتفرض على مستخدمها العمل في كنف الظلام، من دون أن يعرف المرء حقا ما هو بصدد القيام به. والحبر النفات، تقنية أبسط بكثير وتسمح بإدراك الأخطاء على الفور، ما يسمح بتصحيحها. من ناحية أخرى، لا يطبع الناس الآن الصور، بل يشاهدونها على الشاشات. وإذا كانت شركة فوجي اليابانية لا تزال تنتج صورا على الورق، فإن السؤال هو إلى متى ستستمر في ذلك؟ وإلى أي حين ستواصل إنتاج الأفلام؟".

"الأفضل على المستوى العالمي"
يتعلّق الأمر إذن بزوال مرتقب لورق سيباكروم الشهير، والذي يسمى اليوم كذلك Ilfochrome. ويشرح جون – مارك يورسين، مدير متحف كاميرات التصوير الفتوغرافي في مدينة فوفي Vevey، التقنية المستخدمة، قائلا: "هي عملية محددة جدا تمكّن من سحب الصورة الموجبة على ورق مباشرة من دون الحاجة إلى الصورة السالبة. ويمكن الإحتفاظ بهذا الورق لزمن طويل وإلى حدود 200 عام، وهو أفضل من أي نوع آخر من الورق، ولهذا هو مناسب لأغراض المتاحف والفنانين. ومن المفارقات أنه عندما ظهر التصوير الرقمي، كنا ننتج أفضل الأفلام ونستخدم أفضل أنواع الورق خلال التاريخ القصير للتصوير الفوتوغرافي الملوّن". من جهته، يُقرّ رولاند ديفو، وهو مصوّر وصاحب مطبعة بباريس، بسقوط إحدى ركائز التصوير الفوتوغرافي، ويقول: "التصوير الرقمي والحبر النفات، تقنيتان مفيدتان بالنسبة لبعض التطبيقات، في مجاليْ الطباعة الصحفية والإشهار، ولكنهما تقنيتان لا تتعلقان بالتصوير الفوتوغرافي، بل مجرد طباعة محسّنة. أما بفضل التقنيات التناظرية والمعالجة الكيميائية، فيكون بالإمكان الحصول على صور شفافة. وبالنسبة للممارسة الفنية، تظل تقنية سيباكروم الأفضل في العالم". ويتعامل رولاند ديفو، البالغ من العمر حاليا 62 عاما، مع شركة إلفورد للتصوير منذ 35 عاما. وفي مايو 2014، سوف يستنفذ ديفو كل ما لديه من مخزون من الورق ثم يتقاعد. ويقول: "قبل 15 عاما، كان هناك 77 مختبرا في فرنسا، لم يبق منها سوى مختبريْن. إنها الضربة الأخيرة والقاضية. انتهى الأمر. انتهى".

الإقبال على اللونيْن الأبيض والأسود 
خلال الأعوام الستة والعشرين التي قضاها عاملا لدى إلفورد، حاول جون – نوال جيكس أن يكون حريصا على فهم عمل حرفائه، ووظّف كل ما كان له من أجل ضمان جودة المنتج النهائي، وطوّر عدة تطبيقات بالتعاون مع المهنيين المختصين. وقال المهندس الكيميائي: "كنا نتعاون، في ذروة عطاءنا، مع 50 مختبرا، وكل واحد منها يتراوح عدد العمال فيه ما بين 5 و10 موظفين. واليوم يوجد 4 إلى 5 مختبرات في الولايات المتحدة وبريطانيا، و3 في فرنسا وروسيا، و2 في ألمانيا، وواحد في سويسرا، بالإضافة إلى عدد قليل من المختبرات الصغيرة المتخصصة بشكل حصري في مجال قطع الغيار". في مقابل ذلك، لا تزال تقنية المعالجة الكيميائية ثنائية الألوان (الأبيض والأسود) تجد إقبالا شديدا. ولا يزال الفرع البريطاني من إلفورد Harman Technology Limited، الذي اشتراه كذلك الإطار الإداري المسيّر له، يواصل إنتاجه. ويشير جون – نوال جيكس إلى أن "العمل عن طريق المعالجة الكيميائية هو أيسر وأبسط. وأما المواد الملوّنة، فهي مواد معقّدة جدا، والبعض منها بات محظورا إما لأسباب بيئية أو صحيّة. وبالنسبة للّونيْن الأبيض والأسود، تستخدم الفضة، وهي مادة غير سامة، ولا تزال موجودة بوفرة". وإذا كان البعض يرى أن الوضع مأساوي، يُحاول جون – نويل جيكس (أحد العمال الذين تخلت عنهم إلفورد) تنسيب الأمور، ويقول: "إنها نهاية صناعة التصوير الفوتوغرافي، هذا صحيح، ولكن لا يجب أن يصيبنا الجمود أمام هذا التطوّر. المأساوي في الأمر هو أن كل شيء حدث بشكل أسرع مما كان متوقعا بكثير. وحدث ذلك على وجه الخصوص بسبب التطوّر السريع لتكنولوجيا الأقمار الصناعية الرقمية. ولم يُمنح العاملون في هذا المجال الوقت للإستعداد لمواجهة المتغيرات". فالمهندس الكيميائي قد تصوّر حدوث هذا التغير في عام 2020 أو حتى 2025، ولكن "ها نحن بالفعل في مرحلة ما بعد الثورة الرقمية".

مكانة فنية مريحة جدا
بالنسبة لرادو ستيم، المسؤول عن البرامج التعليمية بمتحف الإليزيه بلوزان، لا يتعدى الأمر كونه تغيير على مستوى الأداة، وإنزياحة بسيطة: "ما يفصل بين التناظري والرقمي هو أقلّ أهمية بكثير من الخصائص المشتركة لنتائج الطريقتيْن: الطريقتان تؤديان إلى إنتاج صور، ويظل المصوّر هو صانع الصورة. هذا التحوّل لا يمثّل نهاية العالم بل هو نهاية عالم". في الوقت نفسه، يرسُم مؤرخ التصوير الفوتوغرافي نوعا من التوازي مع الطباعة على الحجر، التي اختُرعت في أواخر القرن الثامن عشر، وأصبحت وسيلة هامة للطباعة. ويقول المؤرّخ: "عندما اخترعنا الأوفسيت وجهاز الإنحراف في نهاية القرن التاسع عشر، فإن الطباعة على الحجر لم تختف، بل تحوّلت إلى مجال للإبداع الفني الراقي، لا يزال يستثمره الفنانون إلى حد اليوم، وهو ما سيحصل أيضا مع الطريقة التناظرية". ويضيف رادو ستيم بأن الصورة الرقمية والفيديو قد حلاّ محل وسائل الإعلام التقليدية (الرسم والنحت) في الفن المعاصر. وبالنسبة له "سهولة" وسرعة ظهور النتائج يمكّنان من تخصيص وقت لوضع تصوّر للأعمال أطول من الوقت المخصص لتصنيعها. هذا هو مفهوم البراعة الفنية الذي وضع محل شك، وتم تخليص الفنان من القيود التقنية إلى حد ما".

المصدر : إيزابيل أيشنبرغر- swissinfo.ch
 (نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)



Post a Comment

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف

أحدث أقدم