فوتوغرافيا | عندما يتحدّث «بيكاسو» عن التصوير
المقال الاسبوعي لجائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي
عالم التصوير والمعرفة - "عندما ترى ماتستطيع التعبير عنه بواسطة التصوير، ستعرف كل تلك الأشياء التي لم تعد هدفاً للرسّام ! لماذا يُصرّ الرسّام على معالجة مواضيع تستطيع عدسة الكاميرا تأسيسها والتعبير عنها بكل وضوح ؟ هذا ضربٌ من العبث أليس كذلك ؟ إن ظهور التصوير حرّر الرسم من ضيق الأدبيّة ومن الحكايات ذات المعنى الواحد، كما أن هناك نوع من المواضيع الذي أصبح ينتمي لمجال التصوير أكثر ! ألا ينبغي على الرسّامين أن يستفيدوا من الحرية التي أتيحت لهم بفضل التصوير ويستخدموه من أجل القيام بأشياء أخرى ؟"
وَرَدَ ذلك على لسان "بيكاسو" في كتاب المصور المجريّ "براساي" وعنوانه "بيكاسو وشركاه" والذي نُشَرَ في أواسط الستينات، لقد درس "براساي" فن الرسم في "بودابست" و "برلين" لكنه وجد نفسه أكثر كمصور بين شوارع وأزقة "باريس" ومع فنانيها ومبدعيها وداخل أسوار ليلها الساحر، الذي كان يستغله في تصوير المهمّشين والمشرّدين وعُمّال الليل وأولئك الذين لا يرغبون بالأضواء ولا يسعون إليها. لقد سَخِرَ "براساي" في بداياته من التصوير لكنه آمن به فيما بعد كموصَّلٍ أفضل لشخصيته وأهدافه الفنية، فبالرغم من رصيده الفني الكبير في الرسم والتخطيط والكتابة إلا أن أعماله الأشهر كانت فوتوغرافية، بجانب استثماره لصداقته مع "بيكاسو" والتي أثمرت كتابين هما "بيكاسو ومنحوتاته" و"بيكاسو وشركاه".
هناك عشرات التعريفات التي تتناول علاقة الرسم بالتصوير خاصة في منطقةٍ جدليّةٍ مشتركةٍ بينها هي "التشكيل"، فيرى البعض الكاميرا امتداداً لفرشاة الرساّم المشبعة بالألوان .. حيث الحِسّ الفنيّ المرهف يتناغم مع هذه وتلك كأدوات تعبيرٍ فائقة الحساسية لإنتاج التحفة الفنية في شكلها النهائيّ. ويعتقد البعض الآخر أن "التصوير" ليس ابتكاراً جديداً مرافقاً للغرفة المظلمة بل هو عمليةٌ أساسيةٌ في إنتاج الرسومات تلي مرحلة التخطيط المبدئي لفكرة الفنان، حيث يُعتبر ملء الفراغات والمساحات بالألوان تصويراً غير مُنتمٍ للفوتوغرافيا ! بل هو ابنٌ شرعيّ لفن الرسم الواسع مترامي الأطراف.
أحد الآراء واسعة الانتشار يعتبر التكوين الفني للرسم انعكاساً لإرهاصات الإبداع البشري ومسايرة لمنحنيات المشاعر الإنسانية المتلاطمة، لذا هو تصويرٌ للطبيعة الخاصة بالإحساس الإنسانيّ وعمقه وخواصّه العبقرية المعقّدة، بينما المنتج البصري للكاميرا يعكس براعة العلم في إنتاج دقة اللون والتفاصيل الأخرى التي يكمّلها عنصر الإبداع البشري للوصول للشكل النهائي.
فلاش : القلب وراء ريشة الرسام، وهو بجانب العقل خلف العدسة، فأحسن إدارتهما لترتقي بفنِّك ..