عالم التصوير والمعرفة - (يحلو لي أن أضع الكاميرا في زاويةٍ معينةٍ من الغرفة، وأجلس أنا في مكانٍ بعيدٍ عنها بعض الشيء، وفي يدي أداة التحكّم بالغالق عن بعد، بينما يتبادل الكاتب الأمريكي "أرسكين كالدويل" الحديث مع الأشخاص الذين جئنا لزيارتهم في تلك الغرفة، وقد تمر ساعة قبل أن تكسو وجوههم تلك التعابير التي جئنا لتسجيلها، وفي لمح البصر وفي لحظة حدوث ذلك، ترى الكاميرا وقد سجّلت على شريحة الفيلم تلك التعابير قبل أن يعرفوا ذلك !) الحديث هنا للمصورة الأمريكية "مارجريت بورك وايت".
إن العديد من النظريات والمسارات والتأطيرات التي يفرزها بعض المصورين المعروفين على مستوياتٍ دوليةٍ وإقليميةٍ وشعبية، تتناول بعض القواعد والأسس الخاصة بالتصوير الفوتوغرافي وكأنها فروض إجبارية مُلزمة كقوانين الفيزياء أو الكيمياء، ولا تستقيم العملية الفنية إلا بتنفيذ تلك القواعد والأسس! وهذا بحد ذاته يعرّض العنصر الإبداعي والابتكاري لحالة اختناقٍ مثالية. إن المثالية كمبدأ أو فلسفة منتشرة في العديد من جوانب الحياة الحادة التي لا تستقيم إلا بوجود مذهبٍ صحيحٍ واحد يدحض كل ما سواه من مذاهب مهما كانت مبرّراتها، لكن عندما ندخل حدائق الفنون اليانعة، تنقلب القوانين، أو بالأحرى تكتسب مرونةً استثنائية وفقاً لجوهر الفنون نفسها وتأثيرها في حياة البشر.
إن الاستمتاع بممارسة الفنون ركنٌ أصيل يشهد به كل العارفين بالفنون، وهذا ما يظهر جليّاً في تجربة السيدة "مارجريت" وفي تجارب أغلب المصورين المبدعين الذي يبتكرون مع مرور السنين ونضج الخبرة، فلسفة خاصة معقدة نسبياً، تجدهم مرتبطين بها بقوة ومن تفاصيلها الخاصة يستمدّون طاقة كبرى وقدرة على التحمّل بسبب اعتقادهم الراسخ بجدوى المجهود والنتائج ومتعة الرحلة وأهمية جميع التفاصيل التي يمرون بها خلالها.
إننا مع وجود مدارس فنية متنوّعة تثري الواقع البصري ومذاهب مختلفة في التعامل مع الكاميرا والظروف المحيطة بالتصوير، مع وجود توصياتٍ محدّدة من خبراء التصوير للحصول على نتائج محدّدة في بعض المجالات، أما وضع أسوارٍ شائكة حول هذا الفن الجميل وتكبيله بما لا يحتمل وفقاً لرؤى خاصة وأهواء شخصية هو أمرٌ غير مقبول، كما أن أي أمرٍ يمس حرية الذوق والتذوّق والتحليق الإبداعي غير المحدود، هو أمرٌ سلبيّ أيضاً.
لا يخفى عليكم أيضاً أ3ن بعض الصور المبهرة التي تمّ التقاطها بأساليب لا ترضي بعض النقاد، قد أبهرت النقاد أنفسهم وأجبرتهم على مراجعة أفكارهم المثالية.
إرسال تعليق
التعليق الذي يحتوي على تجريح أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف