عالم التصوير والمعرفة - باريس- من نجوى خالدي: نظم المتحف الفرنسي أورسي في باريس معرضا حول الفن الفوتوغرافي النسائي ما بين سنة 1918 و1945، تحت عنوان: «من يخشى المرأة الفوتوغرافية؟» المعرض فتح أبوابه في الرابع عشر من تشرين الأول/اكتوبر 2015، وأغلقها في الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2016، احتل المعرض مساحة من ثلاث قاعات كبرى شكلت فيها الصورة الفوتوغرافية الموقعة بعدسات نسائية مكانة متميزة.

أن تكون امرأة فوتوغرافية بعد الحرب العالمية، هي ظاهرة جديدة ستعرفها المجتمعات الأوروبية والأمريكية في تلك الحقبة من الزمن، لما كان للمرأة من مكانة محددة ومحصورة في مهام قد لا تخرج عن تربية الأطفال والاهتمام بهم، جعلها تقوم بدور الأب الغائب في الحروب، وتقوم بمهام أحيانا تتجاوز تخصصاتها وطاقتها، فبروز المرأة الفوتوغرافية في هذا الوقت بالضبط وخوضها غمار التصوير جعلها تعمل طفرة نوعية داخل هذه المجتمعات، ما جعلها تبرز على الساحة وتبدأ برسم مسارها في مجال الصورة بطريقة احترافية، فمشاركتها في تنظيم معارض وخلق مدارس تهتم بهذا الفن، مع تسيير مجموعة من الاستديوهات ووكالات للنشر وتشجيع التصوير، جعلها تطور وتبدع وتدخل في منافسة مع الرجل، باعتباره سباقا إلى الصورة. هذا التقاسم الذي أصبح موجودا بين الرجل والمرأة دفع الفوتوغرافي إلى الإحساس بولادة منافس جديد قد يأخذ الريادة ويتركه خلفه، بالإضافة إلى المحاضرات التي كانت تقدمها المرأة الفوتوغرافية كند للرجل وخطر لا بد ان يحتاط منه، كل هذا خلق نوعا من التفرقة بينهما دامت لقرون طويلة.
ينقسم المعرض إلى ثلات قاعات، تحتوي كل قاعة على مجموعة من الصور المختلفة الألوان والأحجام وقعتها أنامل نساء من مختلف الأعمار والمناطق التي تنحدر منها.

في القاعة الأولى المعنونة «رموز التحويل» نجد لوحات فوتوغرافية للمصورة النمساوية لوسيا موهيلي (1894ـ1989)، وصورا تتطرق للأشكال التقليدية التي تتمثل في صور فوتوغرافية أو ما نسميه بالبورتريه، وأخرى للطبيعة الميتة والمسرح الحميمي، كلها أشكال ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، وانحصرت فيها المرأة الفوتوغرافية بسبب انغلاقها في منزلها أو في استوديوهات، قدمت من خلالها نظرتها النقدية، التي تجاوزت أحيانا السخرية. 

تجارب نسائية اعتبرت أحيانا ريادية في هذا المجال كتقديمها للميكروفوتوغراف وهو فن دقيق يهتم بتصوير الأجسام الصغيرة جدا، والتصوير الشمسي (هو عملية الحصول على المؤثرات الخاصة التي تعرض سطحا حساسا خلال التصوير الفوتوغرافي)، والفوتوغرام (المخطط الفوتوغرافي أو الصورة المساحية الضوئية، التي نحصل عليها بدون استعمال جهاز فوتوغرافي)، والتصوير التلصيقي، كل هذه الأشكال مكنتها من تأسيس ذاكرة وأسلوب خاص بها في التصوير الحداثوي. أعمال جعلت من الفوتوغرافية في تلك الفترة من الزمن تطبع بصمتها في الحركات ما قبل الطلائعية، سواء منها السريالية أو الموضوعية الجديدة، أو ما يسمى بالنظرة الجديدة.

في القسم الثاني من القاعة الأولى تعرض الفوتوغرافية الألمانية ريتا برنهغد (1905ـ 2006) مواضيع اعتبرت في القرن العشرين من المحرمات، فعرضها لأجسام إنسانية عارية كنوع من التمرد على كل العادات والتقاليد التي تعتبر الجسد منه النسائي أو الرجالي تابوها يجب تحاشيه. 

في القاعة الثانية المعنونة بالصورة الذاتية والمهازل التي تعتمد بالأساس على الأقنعة والتنكر، في قسمها الأول تعرض الفوتوغرافية الألمانية كرتريد أرنودت (1903ـ2000 ) مجموعتها التي تعتمد بالأساس على الأقنعة. أما قسمها الثاني فيضم مجموعة من الصور للمبدعة الأمريكية مارغريت بورك وايت (1904ـ1971) التي تبرز قوة المرأة واعتزازها بتقديم هذا الفن الذي عرف تقدما متميزا بفضلها.

في القاعة الثالثة المعنونة بـ»نحو الاحتلال على أرض الصورة» نجد الأمريكية دوروثي لونج (1895ـ1965)، والسويسرية إيلا ميلار (1903ـ 1997) وأخيرا البولونية جوليا بيروت (1907ـ2000)، نساء جمع بينهن التصوير الفوتوغرافي من جهة وخلفياتهن الثقافية المستمدة من الأدب الرومانسي من جهة أخرى، بالإضافة إلى تطور الصورة وظهور عدسات جديدة انعكس إيجابيا على أعمال هؤلاء الفوتوغرافيات دفع بعضهن إلى التحول نحو المجال السينمائي والإبداع المرئي. قدم المعرض نساء استثمرن مواهبن وطاقاتهن لخدمة الإنسانية، نساء عارضن النازية بعدساتهن الصغيرة، وأخريات نشرن بصورهن السلام وروح التضامن.

أحدث أقدم