عالم التصوير والمعرفة - القاهرة - رحمة يوسف - رغم أن البعض يعتبر التصوير الميداني أمراً لا يناسب الفتاة، هناك من قررن التمرّد على تلك النظرة وإثبات قدرة الفتاة على النجاح في عالم التصوير الفوتوغرافي الميداني بشكل لايقلّ أبداً عن الرجل. ورغم الصعوبات التي واجهتها هؤلاء الفتيات، فقد تسلّحن بالكاميرا في مواجهة كل التحديات، ونجحن في اقتحام عالم التصوير الميداني. «لها» التقت عدداً من المصورات واستمعت الى حكاياتهن.
تقول علا أحمد التي احترفت التصوير في ملاعب كرة القدم: «بدأت هواية التصوير منذ أن كنت طفلة صغيرة تشاهد جدّها يداعب الكاميرا كل صباح، ومن هنا بدأت متابعتي لجدي وكيفية التعامل مع تفاصيل تلك الآلة التي تخرج ملامح البشر في صور صامتة، وكان هناك حب كبير في العائلة للنادي الأهلي، وكنا دائمي المتابعة لكل لقطات المباراة والصور التي يلتقطها المصورون المحترفون، وكان جدي يجلس في جواري ليشرح لي الفن في الصورة وكنت أصغي اليه جيداً، ومن هنا قررت أن أحترف التصوير في الملاعب، وتدربت جيداً عليه، خاصة أنني كنت أنزل إلى المدرجات منذ ما يقرب الـ11 عاماً كمشجعة، إلا أنني قررت التصوير في الملاعب، وحققت نجاحاً كبيراً في نوعية الصور التي ألتقطها، لكن أحداث ثورة 25 يناير 2011 أدت إلى توقف الدوري في مصر، ورغم ذلك قررت عدم التوقف عن التصوير، وخرجت إلى الشارع وشاركت في تصوير الأحداث السياسية التي مرت بها مصر وتوثيقها من طريق الكاميرا، وكان العمل تطوعياً من دون أي مقابل مادي من أجل بلدي، لأن الصورة في ذلك الوقت كانت تلعب دوراً كبيراً في كشف الحقائق الخفية في مصر، وخاصة الحوادث الغامضة. وانتعش عالم التصوير بعد استقرار البلاد، وعاد الدوري مرة أخرى وعادت معه الحياة الرياضية، وبدوري عدت لأغازل الكرة بكاميرا نسائية بشكل محترف يعترف به الجميع من اللاعبين والأصدقاء وقراء الصحف، وأخذت بعض الوكالات تتداول صوري».
وتضيف علا: «الإقدام على ما تحب يمنحك شعوراً رائعاً، وعشقي الأكبر للنادي الأهلي هو سبب نجاحي الرئيسي في التصوير، كما أبحث عن تحقيق حلمي الذي يراودني منذ الطفولة، وهو السفر كمصورة مع فريق النادي الأهلي خارج البلاد، مع عشرات المصورين المحترفين في العالم العربي، لكنني واجهت العديد من الصعوبات، منها الحصول أولاً على التصريحات للدخول بالكاميرا إلى المباريات، وكانت مشاركتي الأولى في التصوير في كانون الثاني/يناير الماضي بين فريقي «الأهلي وبتروجت»، وحوصرت بنظرات التعجب التي كانت تراقبني في الملاعب لكوني فتاة، لكنني مع الوقت نجحت في التخلص منها ليصبح معظم من في الملاعب أصدقائي. وكانت كلمات الإعجاب والثناء على صوري المميزة تعوضني عن تعبي في البحث عن الصورة الحلوة في الملاعب، وكان تشجيع الحضور الضخم في الاستاد يُشعرني بالفخر بهوايتي ويحفزني على الاستمرار فيها».
نظرات الآخرين
تقول علياء شريف: «اختياري مهنة التصوير دون غيرها، يعود إلى حبي الشديد لها ورفضي لروتين الوظائف في مصر، فلم أهتم لتعليقات الآخرين بأنني فتاة تخترق عالم التصوير الذي تميز بالذكورية منذ عشرات السنين، وخاصةً في الميادين. مارست هذه المهنة منذ عامين فقط وتعرضت لصعوبات كثيرة بسبب المصورين المشاركين في تغطية الأحداث، الى جانب عدد من المواطنين في الشارع ممن يرفضون وجود فتاة في عالم التصوير، لكنني تغلّبت على ذلك بالتحدي وتشجيع أسرتي المستمر لي، لأنهم كانوا دافعاً قوياً لي منذ البداية، بعيداً من العادات والتقاليد التي ترفض وقوفي مع الرجل في صف واحد لالتقاط الصورة نفسها، وفي معظم الأحيان أكون أنا الأفضل، لذلك حققت نجاحاً ملموساً في تلك الفترة الوجيزة التي شاركت فيها بالتصوير».
وتضيف علياء: «رسمت هدفاً ثابتاً لي في المهنة، وهو أن أحقق اسماً بارزاً ولامعاً كفتاة، لأكون مثالاً ناجحاً لعشرات الباحثات عن تحقيق أحلامهن من طريق التصوير، بالإضافة إلى تحقيق حلمي الأكبر وهو إنشاء استوديو متطور في مصر، يحمل كل تقنيات التصوير الحديثة. وأتمنى أن يتحول الاستديو إلى مدرسة تطوعية صغيرة لتعليم الفتيات الصغيرات التصوير بالمجان كهواية، بعيداً من البحث عن المال لتخريج جيل نسائي ناجح من المصورات في العالم العربي، وليس في مصر فقط».
مصورات حول العالم
كانت لتسنيم عبدالرحمن تجارب عدّة في عالم الفوتوغرافيا هي التي سافرت إلى عدد من دول العالم، رصدت خلالها الأحداث والمناظر الطبيعية بالكاميرا، وتروي تجربتها قائلة: «أنا سودانية الأصل، انتقلت إلى العيش في مصر منذ طفولتي، وكنت دائمة التجوال في شوارعها، وخاصةً مصر القديمة بملامحها الإسلامية، ومع إحضار والدي العديد من الكاميرات المختلفة الأحجام والأشكال وإهداء بعضها لي أصبحت مقربة من الكاميرا لأجمع بين شيئين: الكاميرا والأماكن المحببة إلى قلبي في مصر».
وتضيف تسنيم: «أسرتي ساعدتني كثيراً في التفوق على الآخرين، وفي البداية واجهت العديد من الصعوبات، خاصة بعد الثورات التي اجتاحت الوطن العربي، فقد تغير مفهوم الصورة عند الناس بأنها فاضحة وتسبب المشاكل للبعض، لرصد صورهم في أماكن بعينها، خاصة أماكن الأحداث، إلا أنني لم أتوقف عن التحدي والتغلب على الأمر بالنزول إلى الشارع والتفاهم مع الأشخاص الذين يرفضون عملي أو التقاط الصور لهم، فأُقابل بالرفض وأحياناً بالقبول. وما جعلني سعيدة بتجربتي، تشجيعي عدداً كبيراً من الفتيات على الدخول في مهنة التصوير والتواصل معها، وكونت حالياً شبكة اتصالات واسعة من المصورات حول العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة».
المهمات الصعبة
أما ريم الهواري، فلها تجربة مختلفة مع مهنة التصوير تحكيها قائلة: «شغفي المستمر بالتصوير دفعني للعمل في التصوير الصحافي، وحبي الشديد له جعلني أحترفه بشكل كبير، فأبحث عن الصورة الحلوة في كل مكان لأحوز فقط عبارات الثناء والإعجاب بجودتها وطريقة تصويرها. ومثل العشرات ممن دخلن المهنة واجهت صعوبات كثيرة، لكنني رفضت تصنيفي في عملي كفتاة بل كمصورة محترفة، وهذا ما حققته بعد مرور فترة وجيزة في عملي كمصورة أثبتت نجاحاً كبيراً، لدرجة ان غالبية وسائل الإعلام تبحث عن صوري وكيفية التواصل معي».
وتكمل ريم: «تعرضت لصعوبات بسبب العمل في الشارع، حيث واجهت ضغوطاً كبيرة من رجال الأمن، خاصة بعد أحداث الثورات للمطالبة بمشاهدة ما قمت بالتقاطه في الشارع خوفاً من أن يتعرضوا للضرر بسبب تلك الصور، أو رفضهم للتصوير في بعض الأماكن الحيوية، فكانوا ينتزعون الكاميرا مني فوراً في حال الاعتراض، هذا بالإضافة إلى اعتقاد البعض أنني ألتقط الصورة للتطفل على حياتهم، كما تعرضت للتحرش والألفاظ الخادشة للحياء، لكنني لم أتراجع عن مهنتي، وكنت مقتنعة بأنني متفوقة وسأحقق المزيد من النجاح، وشعرت بأن عيني والكاميرا جزء واحد متجانس من جسدي ولا يمكن فصلهما عن بعضهما بعضاً، فانطلقت للمشاركة في التصوير الميداني خارج مصر في مخيمات اللاجئين في لبنان، ورصدت الحالة الإنسانية الصعبة التي يعيشها المواطنون هناك».
وتضيف ريم أن طموحها هو العمل كمصورة حربية في مناطق النزاعات في العالم، وتطوير مشاريع الأفلام الوثائقية، خاصة مع بدء تقبل المجتمع فكرة عمل الفتاة في كل المجالات، والمساواة بين الفتاة والرجل في مجال واحد ليصبح الاختلاف في الخبرة والاحتراف فقط.
مهندسة بدرجة مصورة
تقول منة الله عثمان، إحدى المصورات العاشقات للمهنة: «عشقت التصوير لشعوري الدائم بأن الكاميرا تجعلني أرى الأشياء بعين مختلفة، على عكس ما تراه العين التقليدية، وحبي للتصوير بدأ منذ سن العاشرة من خلال التقاطي العديد من الصور لأسرتي وأصدقائي، الذين كانوا سعداء بالتقاط تلك الصور بشكل جيد، مما دفعني إلى الأمام».
وتضيف: «واجهت العديد من الصعوبات لمجرد أنني فتاة، وحاول البعض التقليل من شأني وقدراتي زاعمين بأنني لن أجيد التقاط الصور مثل الرجال، فقررت أن أتحداهم وألتقط صوراً رائعة وأتعلّم من تجارب الآخرين في التصوير، من دون النظر الى من يريد إحباطي، وأصبحت حالياً من الفتيات الناجحات في المهنة، بل وكوّنت العديد من المجموعات على الإنترنت لإنشاء ورش لتعليم التصوير، ورغم أنني أدرس الهندسة، لكن هواية التصوير سترافقني في عملي كمهندسة في المستقبل بعد إتمام دراستي الجامعية.
إرسال تعليق
التعليق الذي يحتوي على تجريح أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف